قال الله تعالى : {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً }الإنسان21
تكرر سؤال حول هذه الآية الكريمة وبالتحديد حول قوله تعالى : ( عاليهم .. )
وسؤل أكثر من مرة , ما هو المقصود بـ ( عاليهم ) !
وهل ( عاليهم ) تعني فوقهم ؟
ولماذا لم يقل سبحانه ( عليهم ) !
فما الفرق بين ( عاليهم ) و ( عليهم ) ؟
والجواب عن ذلك هو كالتالي :
قبل أن نبحث في المعنى المقصود من قوله تعالى ( عاليهم ) , لابد أن نعلم أنه ليس المقصود بعاليهم أنه فوقهم .
فهذا المعنى منتفي بقوله تعالى : { وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ }
فهذه فسرت تلك .
وأما لماذا عبر الله تعالى عن ذلك بقوله ( عاليهم ) فلذلك دلالات نستنبطها كما يلي :
لقد قال الله تعالى عن فرعون أنه عاليا .
قال تعالى : {مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ الْمُسْرِفِينَ }الدخان31
فهل علو فرعون هو علو مكان , أم علو مكانة ؟
هو علو مكانة جعلت منه جبارا متسلطا على من هو أدنى منه فيها .
وكذلك إبليس من قبل .
قال تعالى : {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ }ص75
فعلو إبليس كان علوا في مكانته التي أورثته استكبارا وغرورا عندما عصى أمر ربه وقال أنا خير منه .
ففي ذلك دلالة واضحة على أن العلو قد يأتي ليبين رفعة في المنزلة وارتقاء في المكانة .
فثياب أهل الجنة التي يلبسونها كما بين الله تعالى في قوله ( ويلبسون ثيابا خضرا .. ) هي ذات رفعة ومكانة قد استحقها من نال جنة الله وفاز برضوانه .
فتكامل الجزاء بفضل الله ورحمته , فهم في جنة عالية , في عليين , عاليهم ثياب سندس وإستبرق , كل هذه كلمات توضح رفعة المنزلة وارتقاء المكانة .
ثم تكتمل الآيات بقوله تعالى : {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً }الإنسان22
وجه آخر .
عالي الشيء , قد يكون ما ارتفع منه وكان من أصله .
قال تعالى : {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ }هود82
فعالي القرية هنا , هو ما ارتفع منها وكان من أصلها .
وعليه يكون المعنى من ( عاليهم ) أي ما ارتفع من أجسادهم , كأن تكون لهم عمامات أو مشالح معينة يلبسونها على رؤوسهم وعلى أكتافهم يتزينون بها من سندس واستبرق كما قال المولى عز وجل.
وتقرأ بتسكين الياء ( عالـيـْـهم ) وهي قراءة نافع وحمزة , فتكون مبتدأ والخبر ثياب سندس وإستبرق , وهذا يوافق ما قلناه أن المقصود ما يعلوهم من ثياب كان يكون عمامة وما إلى ذلك مما يوضع على الأكتاف ويعلو الجسد .
وتقرأ بنصب الياء ( عالـيَـهم ) قرأها أبو عبد الرحمن وعاصم والحسن البصري , وتكون نصبا على الحال , والتقدير ولقاهم نضرة وسروراً .. وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً .... حال ما يكون عاليهم ثياب سندس وإستبرق .
والله أعلم .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
و استحق افضل اجابة .